كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



لعلك تبينت مما أسلفنا آنفًا أن غاية الجهاد في الإسلام، هي هدم بنيان النظم المناقضة لمبادئه، وإقامة حكومة مؤسسة على قواعد الإسلام في مكانها واستبدالها بها. وهذه المهمة.. مهمة إحداث انقلاب إسلامي عام. غير منحصرة في قطر دون قطر. بل مما يريده الإسلام، ويضعه نصب عينيه أن يحدث هذا الانقلاب الشامل في جميع أنحاء المعمورة.. هذه غايته العليا، ومقصده الأسمى الذي يطمح إليه ببصره. إلا أنه لا مندوحة للمسلمين، أو أعضاء الحزب الإسلامي عن الشروع في مهمتهم بإحداث الانقلاب المنشود، والسعي وراء تغيير نظم الحكم في بلادهم التي يسكنونها. أما غايتهم العليا وهدفهم الأسمى فهو الانقلاب العالمي الشامل المحيط بجميع أنحاء الأرض. وذلك أن فكرة انقلابية لا تؤمن بالقومية، بل تدعو الناس جميعًا إلى سعادة البشر وفلاح الناس أجمعين، لا يمكنها أصلًا أن تضيق دائرة عملها في نطاق محدود من أمة أو قطر. بل الحق أنها مضطرة بسجيتها وجبلتها أن تجعل الانقلاب العالمي غايتها التي تضعها نصب عينها، ولا تغفل عنها طرفة عين. فإن الحق يأبى الحدود الجغرافية، ولا يرضى أن ينحصر في حدود ضيقة اخترعها علماء الجغرافية واصطلحوا عليها. فالحق يتحدى العقول البشرية النزيهة. ويقول لها مطالبًا بحقه: ما بالكم تقولون: إن القضية الفلانية حق في هذا الجانب من ذاك الجبل أو النهر مثلًا؛ ثم تعود القضية نفسها باطلًا- بزعمكم- إذا جاوزنا ذاك الجبل أو النهر بأذرع؟! الحق حق في كل حال وفي كل مكان! وأي تأثير للجبال والأنهار في تغيير حقيقته المعنوية؟! الحق ظله وارف، وخيره عام شامل، لا يختص ببيئة دون بيئة، ولا قطر دون قطر. فأينما وجد الإنسان مقهورًا فالحق من واجبه أن يدركه ويأخذ بحقه وينتصر له. ومهما أصيبت الإنسانية في أبنائها المستضعفين، فعلى العدل ومبادئه والحاملين للوائه أن يلبوا نداءها، ويأخذوا بناصرهم حتى ينتصروا لهم من أعدائهم الجائرين، ويستردوا لهم حقوقهم المغصوبة التي استبد بها الطغاة بغيًا وعدوانًا. وبهذا المعنى نطق لسان الوحي، حيث ورد في التنزيل: {وما لكم لا تقاتلون في سبيل الله والمستضعفين من الرجال والنساء والولدان الذين يقولون ربنا أخرجنا من هذه القرية الظالم أهلها}... [النساء: 75].
وزد على ذلك أن الأواصر البشرية والعلاقات الإنسانية- على ما أثرت فيها الفوارق القومية والوطنية. وأحدثت فيها من نزعات الشتات والاختلاف- قد تشتمل على تلاؤم شامل، وتجانس عام بين أجزائها، ربما يتعذر معه أن تسير مملكة في قطر بعينه بحسب مبادئها وخططها المرسومة المستبينة، ما دامت الأقطار المجاورة لها لا توافقها على مبادئها وخطتها، ولا ترضى بالسير وفق منهاجها وبرنامجها. من أجل ذلك وجب على الحزب المسلم، حفظًا لكيانه، وابتغاء للإصلاح المنشود، ألا يقنع بإقامة نظام الحكم الإسلامي في قطر واحد بعينه. بل من واجبه الذي لا مناص له منه بحال من الأحوال، ألا يدخر جهدًا في توسيع نطاق هذا النظام وبسط نفوذه في مختلف أرجاء الأرض. ذلك بأن يسعى الحزب الإسلامي، في جانب، وراء نشر الفكرة الإسلامية، وتعميم نظرياتها الكاملة ونشرها في أقصى الأرض وأدناها؛ ويدعو سكان المعمورة- على اختلاف بلادهم وأجناسهم وطبقاتهم أن يتلقوا هذه الدعوة بالقبول، ويدينوا بهذا المنهاج الذي يضمن لهم السعادتين، سعادتي الدنيا والآخرة.. وبجانب آخر، يشمر عن ساق الجد، ويقاوم النظم الجائرة المناقضة لقواعد الحق والعدل وبالقوة، إذا استطاع ذلك وأعد له عدته، ويقيم مكانها نظام العدل والنصفة، المؤسس على قواعد الإسلام ومبادئه الخالدة التي لا تبلى، ولن تبلى جدتها على مرور الأيام والليالي.
هذه هي الخطة التي سلكها. وهذا هو المنهاج الذي انتهجه النبي صلى الله عليه وسلم ومن جاء بعده، وسار بسيرته من الخلفاء الراشدين، فإنهم بدأوا ببلاد العرب. ثم أشرقت شمس الإسلام من آفاقها. وأخضعوها أولًا لحكم الإسلام، وأدخلوها في كنف المملكة الإسلامية الجديدة. ثم دعا النبي صلى الله عليه وسلم الملوك والأمراء والرؤساء في مختلف بقاع الأرض إلى دين الحق والإذعان لأمر الله. فالذين آمنوا بهذه الدعوة انضموا إلى هذه المملكة الإسلامية وأصبحوا من أهلها، والذين لم يلبوا دعوتها ولم يتقبلوها بقبول حسن شرع في قتالهم وجهادهم.. ولما استخلف أبو بكر رضي الله عنه، بعد وفاته صلى الله عليه وسلم والتحاقه بالرفيق الأعلى، حمل على المملكتين المجاورتين للمملكة الإسلامية.. مملكتي الروم والفرس. اللتين بلغ من عتوهما وتماديهما في الغي والاستكبار في الأرض ما طبقت شهرته الآفاق. وبلغت هذه الحملات التي بدأ بها الصديق رضي الله عنه غايتها في عصر الفاروق الذي يرجع إليه الفضل العظيم في توطيد دعائم المملكة الإسلامية الأولى، حتى شمل ظلها الوارف تلك الأقطار جميعًا. انتهت المقتطفات.
على ضوء هذا البيان لطبيعة هذا الدين وحقيقته، ولطبيعة الجهاد فيه وقيمته، ولمنهج هذا الدين وخطته الحركية في الجهاد ومراحله.. نستطيع أن نمضي في تقييم غزوة بدر الكبرى، التي قال الله سبحانه عن يومها إنه {يوم الفرقان}.. وأن نمضي كذلك في التعرف إلى سورة الأنفال، التي نزلت في هذه الغزوة، على وجه الإجمال.
لم تكن غزوة بدر الكبرى هي أولى حركات الجهاد الإسلامي- كما بينا من قبل- فقد سبقتها عدة سرايا، لم يقع قتال إلا في واحدة منها، هي سرية عبد الله بن جحش في رجب على رأس سبعة عشر شهرًا من هجرة رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة.. وكانت كلها تمشيًا مع القاعدة التي يقوم عليها الجهاد في الإسلام. والتي أسلفت الحديث عنها من قبل.. نعم إنها كلها كانت موجهة إلى قريش التي أخرجت رسول الله صلى الله عليه وسلم وللمسلمين الكرام؛ ولم تحفظ حرمة البيت الحرام المحرمة في الجاهلية وفي الإسلام! ولكن هذا ليس الأصل في انطلاقة الجهاد الإسلامي. إنما الأصل هو إعلان الإسلام العام بتحرير الإنسان من العبودية لغير الله؛ وبتقرير ألوهية الله في الأرض؛ وتحطيم الطواغيت التي تعبد الناس، وإخراج الناس من العبودية للعباد إلى العبودية لله وحده.. وقريش كانت هي الطاغوت المباشر الذي يحول بين الناس في الجزيرة وبين التوجه إلى عبادة الله وحده؛ والدخول في سلطانه وحده. فلم يكن بد أن يناجز الإسلام هذا الطاغوت، تمشيًا مع خطته العامة؛ وانتصافًا في الوقت ذاته من الظلم والطغيان اللذين وقعا بالفعل على المسلمين الكرام؛ ووقاية كذلك لدار الإسلام في المدينة من الغزو والعدوان.. وإن كان ينبغي دائمًا ونحن نقرر هذه الأسباب المحلية القريبة أن نتذكر- ولا ننسى- طبيعة هذا الدين نفسه وخطته التي تحتمها طبيعته هذه. وهي ألا يترك في الأرض طاغوتًا يغتصب سلطان الله؛ ويعبد الناس لغير ألوهيته وشرعه بحال من الأحوال!
أما أحداث هذه الغزوة الكبرى فنجملها هنا قبل استعراض سورة الأنفال التي نزلت فيها، ذلك لنتنسم الجو الذي نزلت فيه السورة؛ وندرك مرامي النصوص فيها؛ وواقعيتها في مواجهة الأحداث من ناحية؛ وتوجيهها للأحداث من الناحية الأخرى.. ذلك أن النصوص القرآنية لا تدرك حق إدراكها بالتعامل مع مدلولاتها البيانية واللغوية فحسب! إنما تدرك أولًا وقبل كل شيء بالحياة في جوها التاريخي الحركي؛ وفي واقعيتها الإيجابية، وتعاملها مع الواقع الحي. وهي- وإن كانت أبعد مدى وأبقى أثرًا من الواقع التاريخي الذي جاءت تواجهه- لا تتكشف عن هذا المدى البعيد إلا في ضوء ذلك الواقع التاريخي.. ثم يبقى لها إيحاؤها الدائم، وفاعليتها المستمرة، ولكن بالنسبة للذين يتحركون بهذا الدين وحدهم؛ ويزاولون منه شبه ما كان يزاوله الذين تنزلت هذه النصوص عليهم أول مرة؛ ويواجهون من الظروف والأحوال شبه ما كان هؤلاء يواجهون! ولن تتكشف أسرار هذا القرآن قط للقاعدين، الذين يعالجون نصوصه في ضوء مدلولاتها اللغوية والبيانية فحسب.. وهم قاعدون!..
قال ابن إسحاق: ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم سمع بأبي سفيان بن حرب مقبلًا من الشام في عير لقريش عظيمة، فيها أموال لقريش، وتجارة من تجاراتهم. وفيها ثلاثون رجلًا من قريش أو أربعون..
قال ابن إسحاق: فحدثني محمد بن مسلم الزهري، وعاصم بن عمر بن قتادة، وعبد الله بن أبي بكر، ويزيد بن رومان، عن عروة بن الزبير. وغيرهم من علمائنا، عن ابن عباس رضي الله عنهما.. كل قدحدثني بعض الحديث، فاجتمع حديثهم فيما سقت من حديث بدر، قالوا: لما سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم بأبي سفيان مقبلًا من الشام ندب المسلمين إليهم، وقال: «هذه عير قريش فيها أموالهم، فاخرجوا إليها لعل الله ينفلكموها» فانتدب الناس، فخف بعضهم وثقل بعضهم، وذلك أنهم لم يظنوا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يلقى حربًا وفي زاد المعاد وإمتاع الأسماع أنه صلى الله عليه وسلم أمر من كان ظهره- أي ما يركبه- حاضرًا بالنهوض، ولم يحتفل لها احتفالًا كبيرًا.. وقال ابن القيم: وجملة من حضر بدرًا من المسلمين ثلاثمائة وبضعة عشر رجلًا: من المهاجرين ستة وثمانون. ومن الأوس واحد وستون. ومن الخزرج مائة وسبعون. وإنما قل عدد الأوس عن الخزرج، وإن كانوا أشد منهم وأقوى شوكة وأصبر عند اللقاء، لأن منازلهم كانت في عوالي المدينة، وجاء النفير بغتة، وقال النبي صلى الله عليه وسلم لا يتبعنا إلا من كان ظهره حاضرًا. فاستأذنه رجال ظهورهم كانت في علو المدينة أن يستأني بهم حتى يذهبوا إلى ظهورهم، فأبى. ولم يكن عزمهم على اللقاء، ولا أعدوا له عدة، ولا تأهبوا له أهبة. ولكن جمع الله بينهم وبين عدوهم على غير ميعاد.
وكان أبو سفيان- حين دنا من الحجاز- يتحسس الأخبار، ويسأل من لقي من الركبان، تخوفًا على أمر الناس أي على أموالهم التي معه في القافلة حتى أصاب خبرًا من بعض الركبان: أن محمدًا قد استنفر أصحابه لك ولعيرك. فحذر عند ذلك. فاستأجر ضمضم بن عمرو الغفاري، فبعثه إلى مكة، وأمره أن يأتي قريشًا فيستنفرهم إلى أموالهم، ويخبرهم أن محمدًا قد عرض لنا في أصحابه. فخرج ضمضم بن عمرو سريعًا إلى مكة.
قال المقريزي في إمتاع الأسماع: فلم يرع أهل مكة إلا وضمضم يقول: يا معشر قريش، يا آل لؤي ابن غالب، اللطيمة وهي العير التي تحمل الطيب والمسك والثياب وليس فيما تحمله طعام يؤكل قد عرض لها محمد في أصحابه. الغوث الغوث. والله ما أرى أن تدركوها! وقد جدّع أذني بعيره، وشق قميصه وحول رحله. فلم تملك قريش من أمرها شيئًا حتى نفروا على الصعب والذلول، وتجهزوا في ثلاثة أيام. وقيل في يومين. وأعان قويهم ضعيفهم. وقام سهيل بن عمرو، وزمعة بن الأسود، وطعيمة بن عدي، وحنظلة بن أبي سفيان، وعمرو بن أبي سفيان، يحضون الناس على الخروج. فقال سهيل: يا آل غالب، أتاركون أنتم محمدًا والصباة أي المرتدين، يقصد المسلمين! من أهل يثرب يأخذون عيراتكم وأمواكم؟ من أراد مالًا فهذا مال، ومن أراد قوة فهذه قوة. فمدحه أمية بن أبي الصلت بأبيات! ومشى نوفل بن معاوية الديلي إلى أهل القوة من قريش فكلمهم في بذل النفقة والحُملان أي ما يحمل عليه من الدواب، يقال فيما يكون هبة خاصة لمن خرج. فقال عبد الله بن أبي ربيعة: هذه خمسمائة دينار فضعها حيث رأيت. وأخذ من حويطب بن عبد العزى مائتي دينار وثلاث مائة دينار قوى بها في السلاح والظهر، وحمل طعيمة بن عدي على عشرين بعيرًا، وقواهم وخلفهم في أهلهم بمعونة. وكان لا يتخلف أحدًا من قريش إلا بعث مكانه بعيثا. ومشوا إلى أبي لهب فأبى أن يخرج أو يبعث أحدًا، ويقال: إنه بعث مكانه العاصي، ابن هشام بن المغيرة- وكان له عليه دين- فقال: اخرج، وديني لك. فخرج عنه!... وأخذ عداس وهو الغلام النصراني الذي أرسله عتبة وشيبة ابنا ربيعة بقطف من العنب لرسول الله صلى الله عليه وسلم يوم خرج إلى الطائف فرده أهله ردًا قبيحا، وأتبعوه السفهاء والصبية يرمونه بالحجارة حتى أدموا قدميه الشريفتين، فلجأ منهم إلى بستان عتبة وشيبة. وقد وقع في نفس عداس ما وقع من أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأكب على يديه وقدميه يقبلهما! يخذل شيبةوعتبة ابني ربيعة عن الخروج، والعاص بن منبه بن الحجاج. وأبي أمية بن خلف أن يخرج، فأتاه عقبة بن أبي معيط وأبو جهل فعنفاه. فقال ابتاعوا لي أفضل بعير في الوادي! فابتاعوا له جملًا بثلاث مائة درهم من نعم بني قشير، فغنمه المسلمون!.. وما كان أحد منهم أكره للخروج من الحارث بن عامر. ورأى ضمضم بن عمرو أن وادي مكة يسيل دمًا من أسفله وأعلاه. ورأت عاتكة بنت عبد المطلب رؤياها وفيها نذير لقريش بالقتل والدم في كل بيت... فكره أهل الرأي المسير، ومشى بعضهم إلى بعض، فكان من أبطئهم عن ذلك الحارث بن عامر، وأمية بن خلف، وعتبة وشيبة ابنا ربيعة، وحكيم بن حزام، وأبو البختري ابن هشام وعلي بن أمية بن خلف، والعاص بن منبه؛ حتى بكتهم أبو جهل، وأعانه عقبة بن أبي معيط، والنضر بن الحارث بن كلدة، فاجمعوا المسير.. وخرجت قريش بالقيان والدفاف يغنين في كل منهل، وينحرون الجزر، وهم تسعمائة وخمسون مقاتلًا.. وقادوا مائة فرس، عليها مائة دارع سوى دروع المشاة. وكانت إبلهم سبعمائة بعير. وهم كما ذكر الله تعالى عنهم بقوله: {ولا تكونوا كالذين خرجوا من ديارهم بطرًا ورئاء الناس ويصدون عن سبيل الله والله بما يعملون محيط}.. [الأنفال: 47].
وأقبلوا في تجمل عظيم وحنق زائد على رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه، لما يريدون من أخذ عيرهم، وقد أصابوا من قبل عمرو بن الحضرمي والعير التي كانت معه في سرية عبد الله بن جحش.. وأقبل أبو سفيان بالعير ومعها سبعون رجلًا في رواية ابن إسحاق ثلاثون رجلًا منهم مخرمة بن نوفل، وعمرو ابن العاص، فكانت عيرهم ألف بعير تحمل المال. وقد خافوا خوفًا شديدًا حين دنوا من المدينة، واستبطأوا ضمضم بن عمرو والنفير الذين نفروا بن قريش ليمنعوا عيرهم.. فأصبح أبو سفيان ببدر وقد تقدم العير وهو خائف من الرصد. فضرب وجه عيره، فساحل بها أي اتجه إلى ساحل البحر بعيدًا عن طريق المدينة وترك بدرًا يسارًا، وانطلق سريعًا.. وأقبلت قريش من مكة ينزلون كل منهل. يطعمون الطعام من أتاهم وينحرون الجزر.. وأتاهم قيس بن امرئ القيس من أبي سفيان يأمرهم بالرجوع، ويخبرهم أن قد نجت عيرهم. فلا تجزروا أنفسكم أهل يثرب يعني لا تعرضوا أنفسكم لأن يذبحكم أهل يثرب فلا حاجة لكم فيما وراء ذلك. إنما خرجتم لتمنعوا العير وأموالكم، وقد نجاها الله! فعالج قريشًا فأبت الرجوع من الجحفة. وقال أبو جهل: لا والله لا نرجع حتى نرد بدرًا، فنقيم ثلاثًا، ننحر الجزر، ونطعم الطعام، ونشرب الخمر، وتعزف القيان علينا؛ فلن تزال العرب تهابنا أبدًا.. وعاد قيس إلى أبي سفيان، فأخبره بمضى قريش. فقال: واقوماه! هذا عمل عمرو بن هشام يعني أبا جهل كره أن يرجع لأنه ترأس على الناس فبغى، والبغي منقصة وشؤم. إن أصاب محمد النفير ذللنا..